الحاج علي بوقريص... الضرير الذي تحدى الظلام
لا تستسلموا لليأس والمصاعب
كانت تجربته الأولى المذهلة، في نهاية السبعينات عندما حاول وحاول ونجح عبر دائرة ارسال واستقبال محدودة من أن يسمع صوته لأهالي قرية سماهيج والقرى المجاورة، كان البعض ممن استلم بعض الإشارات الواردة من تلك الإذاعة الغريبة يقول :»من أين يأتي الصوت، ومن الذي ينقل بعض أخبار قرية سماهيج»! فيما كان العيون الأخرى والآذان، تنظر وتستمع لتلتقط الخيط الذي يقود الى ذلك المخالف للقانون لكي ينال جزاءه على فعلته! فكيف فعل ذلك وكيف تجرأ لأن يكون مبدعاً أو مبتكراً؟ وهذا ما أشد المحرمات؟ حتى تم ضبطه متلبساً وهو يحاول أن يكون مبدعاً، لكن المفارقة العجيبة هي أن ذلك الإنسان الطموح، كان ضريراً، لا يبصر النور، ومع ذلك، فقد تحدى الظلام.
برنامج خاص للمكفوفين
وبدخوله العقد السادس من العمر، لا يزال الحاج علي عبدالله بو قريص من أشهر شخصيات قرية سماهيج يمتلك روح دعابة هي أقل بكثير من روح الإبداع والابتكار لديه، فهو الآن مصر على تصميم برنامج لتخزين المواقع الإلكترونية بحيث يتمكن الكفيف من الوصول إليها عبر جهاز كمبيوتره من دون الحاجة الى أحد، وهو الآن يسعى لأن يضع لمساته على هذا البرنامج.
قد يستغرب المرء حينما يشاهد ذلك الرجل الكبير في السن والضرير الأب لأسرة مكونة من زوج وزوجة وثلاثة من الأبناء وسبع بنات وهو ينقر على أصابع لوحة مفاتيح الكمبيوتر ويوصلها بشبكة الإنترنت لكي يتمكن من متابعة ما اعتاد عليه من مواقع «صوتية» هي في الأساس، مطلب المكفوفين الذين يتابعون الصوتيات عبر الشبكة دون شك.
لنعد الى مرحلة الطفولة، ليخبرنا الحاج علي أنه أصيب بالجدري حينما كان طفلاً صغيراً وتسبب ذلك في إصابته بالعمى لكنه كبر مصراً على أن يعيش، وقد عاش ليعمل وكله طموح كما يقول فقد عمل في مهن كثيرة ولم تقف هذه الإعاقة الصعبة حجر عثرة في طريقه! والأكثر من ذلك، أن الكثير من الناس كانوا يستغربون، كيف لهذا الكفيف أن يعمل في مهن وأعمال لا يقدر عليها حتى من يملك بصراً حاداً؟ وكيف يعمل في مجال يحتاج الى الكثير من الدقة والإنتباه؟
فقد عرف الكثير من أهالي قرية سماهيج الحاج علي وهو كهربائي يعمل على تمديد التوصيلات الكهربائية في المنازل، بل يشير ابنه الأكبر «حسين» أن والده هو الذي اجرى التوصيلات الكهربائية للمنزل، فيما يقول شاب من أهالي القرية :»أتذكر أنني عندما كنت صغيراً، كنت أراقبه وهو يعمل في توصيل التمديدات الكهربائية، وكنت أستغرب كيف أنه يتقن هذا العمل، فكل ما كان يسألنا عنه هو ألوان الأسلاك، فيمسك بالسلك ويسألنا: ما لونه؟ فنخبره عما اذا كان احمراً أم أصفراء ثم يتولى هو باقي العمل.. سبحان الله.. فقد البصر لكن الله منحه نعمة البصيرة الثاقبة».
لا تستسلموا لليأس والمصاعب
في مجلسه الصغير ببيته المتهالك الصغير، جلس الحاج علي بوقريص، وقد استقبلنا بروح الدعابة التي لا تفارقه، لكنه أصر على أن يكون ابنه «حسين» حاضراً معنا في اللقاء، لأنه هو واخوته، هم المستقبل وهو الذخر الذي أراده والدهم، فالحاج بو قريص يقول أنني عمدت الى تعليم أولادي الإصرار على النجاح وعدم الإستسلام للمصاعب واليأس فقدت بصري صحيح، لكنني توكلت على الله وعشت ولا أزال بفضل الله وقد تزوجت وأنجبت وعملت سنين طويلة كسباً للرزق ولم أحتج الى أحد، أما الآن، فأولادي هم الذي يجب أن يكون لهم المستقبل كما هو حال أولاد غيرهم، لكنني أريد من المسئولين في وزارة العمل وفي وزارة التنمية الاجتماعية النظر الى حالنا المعيشية والبحث عن وظيفة مناسبة لولدي حسين لكي يعينني على تحمل مصاعب الحياة.
يعود الحاج بو قريص الى الحديث عن البث الإذاعي فيقول :»في أواخر السبعينيات، عملت من خلال دائرة ارسال صغيرة في تقديم بث اذاعي يصل مداه ضمن تردد ضئيل يمكن استقباله في قرية سماهيج وما حولها، وكنت مصراً على المضي في تطوير هذه الدائرة، لكن ووجهت بالعقوبة، وقد منعت منعاً شديداً باعتبار أن العمل الذي أقوم به مخالف للقانون، وتم تحذيري من مواصلة العمل فتركته منعاً من المشكلات، وكان بودي لو أن أحداً من المسئولين فكر في أن لديهم مواطن كفيف يريد أن يبتكر ولابد الإهتمام به بدلاً من قمعه وتخويفه، لكن هذا لم يحصل أبداً».
تجربتي ستكون ضمن «كتاب»
وبالنسبة الي الآن، فأنا أسعى بالتعاون مع أولادي الى ابتكار برنامج شبيه ببرنامج «إبصار» المخصص للمكفوفين، وهذا البرنامج غالي الثمن، لكنني أحاول أن أقدم برنامجاً يسهل على الكفيف تخزين المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت، والذهاب اليها بشكل سريع، وأنا أقصد هنا المواقع المخصصة للمكفوفين التي تعتمد على البرامج الصوتية في مختلف مجالات المعرفة والثقافة.
من جانبه، يقول ابنه «حسين» إن الوالد يحمل طموحاً غريباً، فقد تعلمنا منه الكثير وهو القدوة بالنسبة لنا.. فقد تعلمت منه العديد من المهن منها تصليح السيارات، فقد كان بارعاً في اكتشاف الخلل واصلاحه، وكذلك في مجال التوصيلات الكهربية، واكتسبت منه مهارات كثيرة لكن بودي الحصول على وظيفة في شركة من الشركات الكبرى تضمن لي ولأسرتي لقمة العيش.
ويقضي الحاج بو قريص وقته في التنقل عبر لوحة المفاتيح الى المواقع التي اعتاد عليها، لكنه سيحاول انجاز برنامج خاص للمكفوفين، فيما يسعى لإصدار كتاب يشرح فيه سيرته ليكون بمثابة الدافع القوي للمكفوفين من أجل أن ينطلقوا في الحياة ولا يحدهم في ذلك مانع أو حاجز.
[b]لا تستسلموا لليأس والمصاعب
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
سماهيج - سعيد محمدكانت تجربته الأولى المذهلة، في نهاية السبعينات عندما حاول وحاول ونجح عبر دائرة ارسال واستقبال محدودة من أن يسمع صوته لأهالي قرية سماهيج والقرى المجاورة، كان البعض ممن استلم بعض الإشارات الواردة من تلك الإذاعة الغريبة يقول :»من أين يأتي الصوت، ومن الذي ينقل بعض أخبار قرية سماهيج»! فيما كان العيون الأخرى والآذان، تنظر وتستمع لتلتقط الخيط الذي يقود الى ذلك المخالف للقانون لكي ينال جزاءه على فعلته! فكيف فعل ذلك وكيف تجرأ لأن يكون مبدعاً أو مبتكراً؟ وهذا ما أشد المحرمات؟ حتى تم ضبطه متلبساً وهو يحاول أن يكون مبدعاً، لكن المفارقة العجيبة هي أن ذلك الإنسان الطموح، كان ضريراً، لا يبصر النور، ومع ذلك، فقد تحدى الظلام.
برنامج خاص للمكفوفين
وبدخوله العقد السادس من العمر، لا يزال الحاج علي عبدالله بو قريص من أشهر شخصيات قرية سماهيج يمتلك روح دعابة هي أقل بكثير من روح الإبداع والابتكار لديه، فهو الآن مصر على تصميم برنامج لتخزين المواقع الإلكترونية بحيث يتمكن الكفيف من الوصول إليها عبر جهاز كمبيوتره من دون الحاجة الى أحد، وهو الآن يسعى لأن يضع لمساته على هذا البرنامج.
قد يستغرب المرء حينما يشاهد ذلك الرجل الكبير في السن والضرير الأب لأسرة مكونة من زوج وزوجة وثلاثة من الأبناء وسبع بنات وهو ينقر على أصابع لوحة مفاتيح الكمبيوتر ويوصلها بشبكة الإنترنت لكي يتمكن من متابعة ما اعتاد عليه من مواقع «صوتية» هي في الأساس، مطلب المكفوفين الذين يتابعون الصوتيات عبر الشبكة دون شك.
لنعد الى مرحلة الطفولة، ليخبرنا الحاج علي أنه أصيب بالجدري حينما كان طفلاً صغيراً وتسبب ذلك في إصابته بالعمى لكنه كبر مصراً على أن يعيش، وقد عاش ليعمل وكله طموح كما يقول فقد عمل في مهن كثيرة ولم تقف هذه الإعاقة الصعبة حجر عثرة في طريقه! والأكثر من ذلك، أن الكثير من الناس كانوا يستغربون، كيف لهذا الكفيف أن يعمل في مهن وأعمال لا يقدر عليها حتى من يملك بصراً حاداً؟ وكيف يعمل في مجال يحتاج الى الكثير من الدقة والإنتباه؟
فقد عرف الكثير من أهالي قرية سماهيج الحاج علي وهو كهربائي يعمل على تمديد التوصيلات الكهربائية في المنازل، بل يشير ابنه الأكبر «حسين» أن والده هو الذي اجرى التوصيلات الكهربائية للمنزل، فيما يقول شاب من أهالي القرية :»أتذكر أنني عندما كنت صغيراً، كنت أراقبه وهو يعمل في توصيل التمديدات الكهربائية، وكنت أستغرب كيف أنه يتقن هذا العمل، فكل ما كان يسألنا عنه هو ألوان الأسلاك، فيمسك بالسلك ويسألنا: ما لونه؟ فنخبره عما اذا كان احمراً أم أصفراء ثم يتولى هو باقي العمل.. سبحان الله.. فقد البصر لكن الله منحه نعمة البصيرة الثاقبة».
لا تستسلموا لليأس والمصاعب
في مجلسه الصغير ببيته المتهالك الصغير، جلس الحاج علي بوقريص، وقد استقبلنا بروح الدعابة التي لا تفارقه، لكنه أصر على أن يكون ابنه «حسين» حاضراً معنا في اللقاء، لأنه هو واخوته، هم المستقبل وهو الذخر الذي أراده والدهم، فالحاج بو قريص يقول أنني عمدت الى تعليم أولادي الإصرار على النجاح وعدم الإستسلام للمصاعب واليأس فقدت بصري صحيح، لكنني توكلت على الله وعشت ولا أزال بفضل الله وقد تزوجت وأنجبت وعملت سنين طويلة كسباً للرزق ولم أحتج الى أحد، أما الآن، فأولادي هم الذي يجب أن يكون لهم المستقبل كما هو حال أولاد غيرهم، لكنني أريد من المسئولين في وزارة العمل وفي وزارة التنمية الاجتماعية النظر الى حالنا المعيشية والبحث عن وظيفة مناسبة لولدي حسين لكي يعينني على تحمل مصاعب الحياة.
يعود الحاج بو قريص الى الحديث عن البث الإذاعي فيقول :»في أواخر السبعينيات، عملت من خلال دائرة ارسال صغيرة في تقديم بث اذاعي يصل مداه ضمن تردد ضئيل يمكن استقباله في قرية سماهيج وما حولها، وكنت مصراً على المضي في تطوير هذه الدائرة، لكن ووجهت بالعقوبة، وقد منعت منعاً شديداً باعتبار أن العمل الذي أقوم به مخالف للقانون، وتم تحذيري من مواصلة العمل فتركته منعاً من المشكلات، وكان بودي لو أن أحداً من المسئولين فكر في أن لديهم مواطن كفيف يريد أن يبتكر ولابد الإهتمام به بدلاً من قمعه وتخويفه، لكن هذا لم يحصل أبداً».
تجربتي ستكون ضمن «كتاب»
وبالنسبة الي الآن، فأنا أسعى بالتعاون مع أولادي الى ابتكار برنامج شبيه ببرنامج «إبصار» المخصص للمكفوفين، وهذا البرنامج غالي الثمن، لكنني أحاول أن أقدم برنامجاً يسهل على الكفيف تخزين المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت، والذهاب اليها بشكل سريع، وأنا أقصد هنا المواقع المخصصة للمكفوفين التي تعتمد على البرامج الصوتية في مختلف مجالات المعرفة والثقافة.
من جانبه، يقول ابنه «حسين» إن الوالد يحمل طموحاً غريباً، فقد تعلمنا منه الكثير وهو القدوة بالنسبة لنا.. فقد تعلمت منه العديد من المهن منها تصليح السيارات، فقد كان بارعاً في اكتشاف الخلل واصلاحه، وكذلك في مجال التوصيلات الكهربية، واكتسبت منه مهارات كثيرة لكن بودي الحصول على وظيفة في شركة من الشركات الكبرى تضمن لي ولأسرتي لقمة العيش.
ويقضي الحاج بو قريص وقته في التنقل عبر لوحة المفاتيح الى المواقع التي اعتاد عليها، لكنه سيحاول انجاز برنامج خاص للمكفوفين، فيما يسعى لإصدار كتاب يشرح فيه سيرته ليكون بمثابة الدافع القوي للمكفوفين من أجل أن ينطلقوا في الحياة ولا يحدهم في ذلك مانع أو حاجز.